فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}.
روى قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَوَّلُ نَبِيٍ أُرْسِلَ نُوْحٌ» قال قتادة: وبعث من الجزيرة.
{فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن هذا مبلغ عمره كله. قال قتادة: لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة ودعاهم ثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة.
فإن قيل فلم قال: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا} ولم يقل تسعمائة وخمسين عامًا فعنه جوابان:
أحدهما: أن المقصود به تكثير العدد فكان ذكر الألف أفخم في اللفظ وأكثر في العدد.
الثاني: ما روي أنه أعطي من العمر ألف سنة فوهب من عمره خمسين سنة لبعض ولده فلما حضرته الوفاة راجع في استكمال الألف فذكر الله ذلك تنبيهًا على أن النقيصة كانت من جهته، فهذا قول.
والقول الثاني: أنه بعث لأربعين سنة من عمره ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا وعاش بعد الطوفان ستين عامًا فكان مبلغ عمره ألف سنة وخمسين سنة، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا وعاش بعد ذلك سبعين سنة فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار.
والقول الرابع: أنه بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة ولبث في قومه داعيًا ألف سنة إلا خمسين عامًا وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين عامًا فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة وخمسين سنة. قاله عون بن أبي شداد.
{فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن الطوفان المطر، قاله ابن عباس وابن جبير وقتادة والسدي.
الثاني: أن الطوفان الغرق، قاله الضحاك.
الثالث: أنه الموت، روته عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنه قول الشاعر:
أفناهم طوفان موت جارفٍ. وقيل إن الطوفان كلُّ عامّ من الأذى. وحكى إسماعيل بن عبد الله أن الطوفان كان في نيسان. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {ولقد أرسلنا نوحًا} الآية.
قصة فيها تسلية لمحمد عليه السلام عما تضمنته الآية قبلها من تعنت قومه وفتنتهم للمؤمنين وغير ذلك، وفيها وعيد لهم بتمثيل أمرهم بأمر قوم نوح، والواو في قوله: {ولقد} عاطفة جملة كلام على جملة، والقسم فيها بعيد، وقوله تعالى: {أرسلنا} {فلبث} هذا العطف بالفاء يقتضي ظاهره أنه لبث هذه المدة رسولًا يدعو، وقد يحتمل أن تكون المدة المذكورة مدة أقامته في قومه من لدن مولده إلى غرق قومه، وأما على التأويل الأول فاختلف في سنيه التي بعث عندها، فقيل أربعون، وقيل ثمانون، وقال عون بن أبي شداد: ثلاثمائة وخمسون، وكذلك يحتمل أن تكون وفاته عليه السلام عند غرق قومه بعد ذلك بيسير.
وقد روي أنه عمر بعد ذلك ثلاثمائة وخمسين عامًا وأنه عاش ألف سنة وستمائة وخمسين سنة، وقوله تعالى: {فأخذهم الطوفان} يقتضي أنه أخذ قومه فقط، وقد اختلف في ذلك فقالت فرقة: إنما غرق في الطوفان طائفة من الأرض وهي المختصة بقوم نوح، وقالت فرقة: هي الجمهور: إنما غرقت المعمورة كلها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو ظاهر الأمر لاتخاذه السفينة ولبعثه الطير يرتاد زوال الماء ولغير ذلك من الدلائل، وبقي أن يعترض هذا بأن يقال كيف غرق الجميع والرسالة إلى البعض، فالوجه في ذلك أن يقال: إن اختصاص نبي بأمة ليس هو بأن لا يهدي غيرها ولا يدعوها إلى توحيد الله تعالى، وإنما هو بأن لا يؤخذ بقتال غيرها ولا ببث العبادات فيهم، لكن إذا كانت نبوة قائمة هذه المدة الطويلة والناس حولها يعبدون الأوثان ولم يكن الناس يومئذ كثيرًا بحكم القرب من آدم فلا محالة أن دعاءه إلى توحيد الله كان قد بلغ الكل فنالهم الغرق لإعراضهم وتماديهم، و{الطوفان} العظيم الطامي، ويقال ذلك لكل طام خرج عن العادة من ماء أو نار أو موت ومنه قول الشاعر:
فجاءهم طوفان موت جارف. وطوفان وزنه فعلان بناء مبالغة من طاف يطوف إذا عم من كل جهة، ولكنه كثر استعماله في الماء خاصة وقوله تعالى: {وهم ظالمون} يريد بالشرك، {وأصحاب السفينة} قد تقدم في غير هذه السورة الأختلاف في عددهم، وهم بنوة وقوم آمنوا معه، والضمير في قوله: {وجعلناها} يحتمل أن يعود على {السفينة} ويحتمل أن يعود على العقوبة، ويحتمل أن يعود على النجاة، والآية هنا العبرة على قدرة الله تعالى في شدة بطشه، قال قتادة: أبقاها آية على الجودي. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولقد أرسَلْنا نوحًا إِلى قومه}.
في هذه القصة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أُعلم أن الأنبياء قد ابتُلوا قبلَه، وفيها وعيد شديد لمن أقام على الشّرك، فانهم وإِن أُمهلوا، فقد أُمهل قوم نوح أكثر ثم أُخذوا.
قوله تعالى: {فلَبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إِلاَّ خمسينَ عامًا} اختلفوا في عُمُر نوح على خمسة أقوال.
أحدها: بُعث بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إِلا خمسين عامًا يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.
والثاني: أنَّه لبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عامًا، وعاش بعد ذلك سبعين عامًا، فكان مبلغ عُمُره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار.
والثالث: أنهُ بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة، فلبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عامًا، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة، قاله عون بن أبي شداد.
والرابع: أنَّه لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، ودعاهم ثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، قاله قتادة.
وقال وهب ابن منبِّه: بُعث لخمسين سنة.
والخامس: أنَّ هذه الآية بيَّنت مقدار عُمُره كلِّه، حكاه الماوردي.
فإن قيل: ما فائدة قوله: {إِلاَّ خمسينَ عامًا} فهلاَّ قال: تسعمائة وخمسين!.
فالجواب: أنَّ المراد به تكثير العدد، وذِكْر الألف أفخم في اللفظ، وأعظم للعدد.
قال الزجاج: تأويل الاستثناء في كلام العرب: التوكيد، تقول: جاءني إِخوتك إِلا زيدًا، فتؤكِّد أَنَّ الجماعة جاؤوا، وتنقص زيدًا.
واستثناء نصف الشيء قبيح جدًا لا تتكلَّم به العرب، وإِنما تتكلَّم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان، تقول: عندي درهم ينقُص قيراطًا، فلو قلت: ينقُص نصفه، كان الأَولى أن تقول: عندي نصف درهم، ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إِلاَّ قليل من كثير.
قوله تعالى: {فأخذَهم الطُّوفان} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: الموت، روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {فأخذَهم الطُّوفان} قال: الموت.
والثاني: المطر، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة.
قال ابن قتيبة: هو المطر الشديد.
والثالث: الغرق، قاله الضحاك.
قال الزجاج: الطُّوفان من كل شيء: ما كان كثيرًا مطيفًا بالجماعة كلِّها، فالغرق الذي يشتمل على المدن الكثيرة: طوفان، وكذلك القتل الذريع، والموت الجارف: طوفان.
قوله تعالى: {وهم ظالمون} قال ابن عباس: كافرون.
قوله تعالى: {وجعلناها} يعني السفينة، قال قتادة: أبقاها الله آية للناس بأعلى الجُودِيّ.
قال أبو سليمان الدمشقي: وجائز أن يكون أراد: الفعلة التي فعلها بهم من الغرق {آية} أي عِبرة {للعالَمين} بعدهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا}.
ذكر قصة نوح تسلية لنبيِّه صلى الله عليه وسلم؛ أي ابتلي النبيون قبلك بالكفار فصبروا.
وخصّ نوحًا بالذكر؛ لأنه أوّل رسول أرسل إلى الأرض وقد امتلأت كفرًا على ما تقدّم بيانه في هود.
وأنه لم يلق نبيّ من قومه ما لقي نوح على ما تقدّم في هود عن الحسن.
وروي عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أوّل نبيّ أرسل نوح» قال قتادة: وبعث من الجزيرة.
واختلف في مبلغ عمره.
فقيل: مبلغ عمره ما ذكره الله تعالى في كتابه.
قال قتادة: لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، ودعاهم ثلاثمائة سنة، ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة.
وقال ابن عباس: بعث نوح لأربعين سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الغرق ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا.
وعنه أيضًا: أنه بعث وهو ابن مائتين وخمسين سنة، ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسين، وعاش بعد الطوفان مائتين سنة.
وقال وهب: عمّر نوحٌ ألفًا وأربعمائة سنة.
وقال كعب الأحبار: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان سبعين عامًا فكان مبلغ عمره ألف سنة وعشرين عامًا.
وقال عون بن أبي شداد: بعث نوح وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، وعاش بعد الطوفان ثلاثمائة سنة وخمسين سنة؛ فكان مبلغ عمره ألف سنة وستمائة سنة وخمسين سنة ونحوه عن الحسن.
قال الحسن: لما أتى ملك الموت نوحًا ليقبض روحه قال: يا نوح كم عشت في الدنيا؟ قال ثلاثمائة قبل أن أبعث، وألف سنة إلا خمسين عامًا في قومي، وثلاثمائة سنة وخمسين سنة بعد الطوفان.
قال ملك الموت: فكيف وجدت الدنيا؟ قال نوح: مثل دار لها بابان دخلت من هذا وخرجت من هذا.
وروي من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما بعث الله نوحًا إلى قومه بعثه وهو ابن خمسين ومائتي سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا وبقي بعد الطوفان خمسين ومائتي سنة فلما أتاه ملك الموت قال: يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر ويا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا قال: مثل رجل بني له بيت له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر» وقد قيل: دخل من أحدهما وجلس هنيهة ثم خرج من الباب الآخر.
وقال ابن الوردي: بَنَى نوح بيتًا من قصب، فقيل له: لو بنيت غير هذا، فقال: هذا كثير لمن يموت.
وقال أبو المهاجر: لبث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا في بيت من شعر، فقيل له: يا نبيّ الله ابن بيتًا، فقال: أموت اليوم أو أموت غدًا.
وقال وهب بن منبّه: مرت بنوح خمسمائة سنة لم يقرب النساء وجلا من الموت.
وقال مقاتل وجويبر: إن آدم عليه السلام حين كبر ورقّ عظمه قال يا رب إلى متى أكدّ وأسعى؟ قال: يا آدم حتى يولد لك ولد مختون.
فولد له نوح بعد عشرة أبطن، وهو يومئذٍ ابن ألف سنة إلا ستين عامًا.
وقال بعضهم: إلا أربعين عامًا.
والله أعلم.
فكان نوح بن لامك بن متوشلخ بن إدريس وهو أخنوخ بن يرد بن مهلاييل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم.
وكان اسم نوح السكن.
وإنما سمي السكن؛ لأن الناس بعد آدم سكنوا إليه، فهو أبوهم.
وولد له سام وحام ويافث، فولد سام العرب وفارس والروم، وفي كل هؤلاء خير.
وولد حام القبط والسودان والبربر.
وولد يافث الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج.
وليس في شيء من هؤلاء خير.
وقال ابن عباس: في ولد سام بياض وأدمة، وفي ولد حام سواد وبياض قليل.
وفي ولد يافث وهم الترك والصقالبة الصفرة والحمرة.
وكان له ولد رابع وهو كنعان الذي غرق، والعرب تسميه يام.
وسمي نوح نوحًا لأنه ناح على قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، يدعوهم إلى الله تعالى، فإذا كفروا بكى وناح عليهم.
وذكر القشيري أبو القاسم عبد الكريم في كتاب التخبير له: يرى أن نوحًا عليه السلام كان اسمه يشكر ولكن لكثرة بكاه على خطيئته أوحى الله إليه يا نوح كم تنوح فسمي نوحًا؛ فقيل: يا رسول الله فأيّ شيء كانت خطيئته؟ فقال: إنه مر بكلب فقال في نفسه ما أقبحه فأوحى الله إليه اخلق أنت أحسن من هذا وقال يزيد الرقاشي: إنما سمي نوحًا لطول ما ناح على نفسه.
فإن قيل: فلم قال: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًَا} ولم يقل تسعمائة وخمسين عامًا.
ففيه جوابان: أحدهما: أن المقصود به تكثير العدد، فكان ذكره الألف أكثر في اللفظ وأكثر في العدد.
الثاني: ما روي أنه أعطي من العمر ألف سنة، فوهب من عمره خمسين سنة لبعض ولده، فلما حضرته الوفاة رجع في استكمال الألف، فذكر الله تعالى ذلك تنبيهًا على أن النقيصة كانت من جهته.
{فَأَخَذَهُمُ الطوفان} قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة: المطر.
الضحاك: الغرق.
وقيل: الموت.
روته عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنه قول الشاعر:
أفناهم طوفانُ موتٍ جارف.
قال النحاس: يقال لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان.
{وَهُمْ ظَالِمُونَ} جملة في موضع الحال و{أَلْفَ سَنَةٍ} منصوب على الظرف {إِلاَّ خَمْسِينَ عَامًا} منصوب على الاستثناء من الموجب.
وهو عند سيبويه بمنزلة المفعول؛ لأنه مستغنى عنه كالمفعول.
فأما المبرّد أبو العباس محمد بن يزيد فهو عنده مفعول محض.
كأنك قلت استثنيت زيدًا.
تنبيه:
روى حسان بن غالب بن نجيح أبو القاسم المصري، حدثنا مالك بن أنس عن الزهريّ عن ابن المسيّب عن أُبيّ بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان جبريل يذاكرني فضل عمر فقلت يا جبريل ما بلغ فضل عمر قال لي يا محمد لو لبثتُ معك ما لبث نوح في قومه ما بلغت لك فضل عمر» ذكره الخطيب أبو بكر أحمد بن ثابت البغدادي.
وقال: تفرد بروايته حسان بن غالب عن مالك وليس بثابت من حديثه.
قوله تعالى: {فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة} معطوف على الهاء.
{وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} الهاء والألف في {جَعَلْنَاهَا} للسفينة، أو للعقوبة، أو للنجاة؛ ثلاثة أقوال.
اهـ.